حكاية صعود أسعار النفط بشكل جنوني في عام 2009 وأثر الأدمان
![]() |
حكاية الارتفاع الجنوني لأسعار النفط في عام 2009 |
تبدأ حكايتنا في عام 2009، ودائما ما تحاول الدول الكبري مثل الولايات المتحدة، الصين، والهند أن تحتفظ باحتياطيات نفطية هائلة لأغراض أمنية، ولكن في عام 2009، شهدت أسعار النفط ارتفاعًا حادًا ومفاجئًا بين عشية وضحاها، مما دفع الحكومات والجهات التنظيمية إلى التحرك بسرعة.
وكان سبب الأرتفاع هو أن شخص ما بشراء "نفط خام" بقيمة 520 مليون دولار دفعة واحدة، وأسمه "ستيفن بيركنز" سمسارًا موثوقًا به في شركة "PVM - أويل فيوتشرز"، إحدى أكبر شركات تداول النفط في العالم، وكانت مهمته تتمثل في تنفيذ صفقات ضخمة نيابة عن عملاء الشركة.
ولكن ستيفن كان يعاني من مشكلة خطيرة، وهي "إدمان الكحول" وبدأ الأمور تخرج عن السيطرة في شهر يونيو من عام 2009، وقد نظمت الشركة رحلة ترفيهية لموظفيها إلى ملعب غولف "عطلة نهاية الأسبوع" مخصصة للتعارف والاسترخاء ولكن بالنسبة لبيركنز تحولت تلك الرحلة إلى "ماراثون" من الشرب استمر 48 ساعة.
وعندما بدء العمل صباح يوم الإثنين، كان بيركنز لا يزال في حالة سُكر تام، في تلك الحالة، وبدء في شراء النفط بكميات ضخمة وفعة واحدة، وعلى مدى ساعتين متواصلتين استمر بيركنز في شراء النفط، صفقة ضخمة تلو الأخرى.
وقام بإبلاغ الشركة بأن هذه الصفقات نفذت لصالح أحد العملاء، ولكن لم يكن هناك أي عميل وكان يتاجر من تلقاء نفسه دون منطق ودون أي ضوابط، وفي نهاية الجلسة كان بيركنز قد اشترى سبعة ملايين برميل من النفط، بقيمة إجمالية بلغت 520 مليون دولار. فاشتعلت السوق.
وارتفعت الأسعار بمقدار 1.50 دولار للبرميل في ليلة واحدة — وهو ارتفاع كبير خلال فترة قصيرة جدًا، وأُصيب المتداولون حول العالم بالذعر وانطلقت محاولات محمومة لفهم ما يحدث، فهل كانت إحدى صناديق التحوط القوية تقوم بخطوة استراتيجية جريئة؟، أم هل كانت هناك دولة تقوم بتخزين النفط سرًا؟.
ولم يكن لدى أحد أي إجابة وفي تلك الأثناء، خلد بيركنز إلى النوم دون أن يدرك حجم الكارثة التي تسبب بها. لقد فسرت الأسواق ارتفاع الأسعار على أنه نتيجة لطلب حقيقي. لكن مع حلول الصباح رصدت أنظمة الرقابة في شركة PVM نشاطًا غير معتاد فكل الصفقات كانت مرتبطة بحساب واحد حساب ستيفن بيركنز وحين تواصلت الشركة معه، لم يكن يملك أي تفسير بل لم يكن يتذكر حتى أنه قام بهذه التداولات.
ولم يكن أمام الشركة سوى خيار واحد: إلغاء الصفقات، وقد كلفها ذلك 10 ملايين دولار أما العواقب التي واجهها بيركنز فكانت قاسية حيث تم طرده فورًا من الشركة وتم منعه من التداول لمدة خمس سنوات وتغريمه مبلغ 72 ألف جنيه إسترليني.
ما هي الدروس المستفادة من هذه الحكاية وعلاقتها بعالم التداول؟
المشاعر لا مكان لها في عالم التداول حيث أن القرارات التي تحركها الضغوط أو الخوف أو الغرور تؤدي إلى نتائج كارثية.
إدارة المخاطر هي كل شيء فبغض النظر عن مدى كفاءتك، صفقة واحدة غير خاضعة للرقابة قد تنهي مسيرتك بالكامل.
لا تتداول دون وجود ضوابط وآليات رقابية، حيث رصدت أنظمة شركة PVM المخالفات، لكن بعد فوات الأوان. لو كانت هناك رقابة استباقية، لكان بالإمكان تجنب الكارثة.
الكحول والتداول مزيج خطير، بيركنز لم يكن الوحيد الذي اتخذ قرارات طائشة تحت تأثير الكحول، لكنه من أبرز الأمثلة، فالتداول يتطلب صفاء ذهني، لا تشوشًا.
السيولة العالية قد تُخفي الأخطاء فقد استغل بيركنز سيولة سوق النفط لتنفيذ صفقاته دون أن يلاحظ أحد، لكن عند محاولة إلغائها، دفعت الشركة الثمن.
التداول بلا انضباط ليس تداولًا بل مقامرة، فما فعله بيركنز لم يكن استراتيجية، بل رهان متهور غذته الكحول، ومن دون ضبط النفس حتى المحترفون قد يرتكبون أخطاء الهواة.
تعليقات
إرسال تعليق